القراءة والثقـــافة بيـــن التأليف والنشر والقرصنة بقلم الاعلامي المتخصص رئيس التحرير احمد العسالي

نقاش طويل ومستعصي الفهم مستمر حول من يتحمل مسؤولية استباحة حقوق الملكية الفكرية للكتب العربية داخل الوطن العربي ، وخاصة الحديثة الإصــدار. الجميع شركاء في مســــؤولية «القرصنة» ، بمن فيهم «القرّاء المتواطئون بوعي أو غير وعي بقصد او عن غـــير قصد ممن يرمي اللوم على النــــاشرين ,مع مسألة غـــلاء الكتب وصعوبة توصيلها الى القارئ او الوصول إليهــا وأمور أخرى، ما يستدعي نقاشـــا مع مختلف الأطراف المتعلقة بنشر الكتاب للوقوف على رأي سديد على أساسه تتم معالجة هذه القضية الشـــائكة المعقدة”.

فمن جهة تشتكي دور النشر وارتفاع أسعار الكتب، وهم مستاءون من القرصنة وجميعها تنظر إلى الكتاب كسلعة للـربح وبربح مبـالغ فيه.

من جهة أخرى ,يرى- القارئ المغربي- أخص بالذكر، أنه له كامل الحق في أن يتـاح له الكتاب، ويتم توفيره بسعر مناسب ليتمكن من الحصول عليه ،كحصوله على الغذاء والمــاء.

أما من جهة الناشر، فهو يرى بأنه الأصدق والأحـق في مطالبه ونضــاله بوقف هذه القرصنة حالًا، خشية حدوث ما لا تحمد عقباه إذا ما أضر هذا الفعل – اللامشــروع – بمستقبل حركة ورواج التأليف والنشر وحركة الإبـــداع الثقافي التي وإن أمعنّا النظر فيها لوجدنا بأن الغاية الأسمي منها هي وصـــول الكتاب : كل المأثــورات الادبية ،العلمية والفنــية، قديمها وحديثها إلى أكبر قدر ممكن من القراء المغاربة.

فعدم مشروعية قرصنة الكتب التي يسميها هؤلاء قرصنة, تؤدي إلى وصول الكــتاب إلى يدي القــــارئ بضغطة زر: عن طريق الانترنيت او التحميل . وهذا هو ما آلت إليه كافة شؤون حياتنا مؤخرًا, وبات الأمر لا يستغرق ما هو أكثر من هذه اللمسة السحرية بضغط الزر. وهنا ايضــا لا يمكن أن نلقي باللوم على هؤلاء أو أولئــــك حتى لا نصل إلى مرحلة العـداء المتبادل أو الأخـــذ بالثأر والرغبة المستميتة في إصابة الآخر أوالإيقــاع به في سبيل جني المال دون توفير الشروط الضرورية الآمنة والقــانونية والجدية بل والمعقولة ماديا وأخـــلاقيا لذلك.

ليس من يحميه النـــاشر؟ أو يحميه المؤلف؟ أو القــــارئ ؟

نقول هم معا، إنما أيضا من يحمي الكتاب والجميع من هذا النزاع او الفوضى الالكترونية و إعطاء كل ذي قيمة قيمته وحقه ويعيد إليه مجده ويعيد إلينا لذة التحصيل المعرفي ،والعثور على اكتساب طريق الثقــــافة والعلــم والمعرفة وامتلاك أبعاد البحث القيــــمية والتنقيب قصد الوصول إلى مدارك الوعي الشمولي.

في نظري المتواضع ، تعتبر القرصنة انتفـــاضة القراء ضد جشع الـــناشرين وتقـــاعس المؤلف وحرصه على توفــير كتابه بطرق مشروعة لمن يرغب فيه، وهي في ذات الوقت لا تنفي أيضا كسل أو شح تدبير القـــارئ الذي يرغب في الحصول على الكـــتاب دون تكبد عناء البحث عنه ان مـاديا او معـــنويا، يجعله يرغب في امتلاك نسخة من كل كتاب ولو إلكترونية، وأيضا الاختــــلالات الوظيفية التي تشوب إلى الآن عدم توفير الفضـــاءات اللازمة والكافية , بل القـــريبة من كل القراء ,في حين أنه يمكن قراءته دون حيازته، وذلك بتفعيل دور المكتبات العمومية ،الوطنية والجهـــوبة التي ليس لها وجود بالمغرب ،والتي حتمًا سيجد القارئ على أحد رفوفها ضالته، مع إقرار قانون يضمن لكل المتنازعين حقـــوقهم دون المساس بقيمة الكتب المطبوعة التي أوشكت على الاندثــــار في بلدنا.

أغلب القرّاء يرفضون قرصنة الكتب الجديدة ، ويتحفظون على اعتباران نســـخ الكتب القديمة قرصنة، فهذه الكتب توقف الناشر عن طـباعتهـــا ،ولكن مع كل الأسف وما اقتضته الضـــرورة المرحلية, لا وسيلة أمام القارئ سوى اللجوء لنسخ صفحات الكتب أو تحميلها في أقصى الحالات 10دقــائق واقلفي التنفيذ.

أيضا شريحات أخرى من القراء تلوم الناشر على دفعهـم إلى القرصنة بسبب غــــلاء أسعار الكتب وعدم توفــــيره لها. نعم اللوم للناشر الذي يبالغ في أسعار كتبه, ولا يوفرهــا للقـــارئ وخاصة في كل بعض البلدان العربية التي تعاني من عزوف حقــيقي للناشرين مع دوافع اخرى أكثر تعقيدا و إعاقة لخلق جتـــــمع قارئ، ولكن هذا لا يجعل القرصنة حـــلاً .

فمسألة صعوبة الوصول أو الحصول على الكتاب تجعل، القارئ يعاني كثيراً و الحصول عليه ، وبالأخص بعد أن تمتلئ قوائمه بالكتب التي يريدها ولكنه لا يستطيع الحصول عليها لا ورقـياً ولا حتى الكترونياً . إن إغراء تحميل نسخة مقرصنة بديــــل الانتظار الذي لا تسهل مقاومتهّ ! من طرف الجميع ، ولكن من هو الاحقا في ذلك كي يستبيح الكتب، الناشر أم جميع المُقرصنين أم القراء ؟

فالناشر عندما لا تعطى له حقــوقه، والقرصنة عندما تجعل المئات و ربما الآلاف يحصلـــون على الكتاب بلا مــقابل، والقارئ في آخر السلسلة عندما يكون الكتاب متوفراً له، ولكنه يفضــــل قــــراءته مجانا, تصبح هناك نوع من العــولمة الثقـــافية الفوضوية ولكن حقوق المؤلف، جهات متعددة، تبدأ من وجود قوانين حمائية واضحة، وعقود مجزية تجعل المؤلف ينتفع من كتبه، ودور نشر قوية وقــادرة على الدخول في مغامرات نشر، ومجتمع قـــرائي مجتمع المعرفة ناضج يحصل على الكتب بطريقة شرعية ، لكن هذا غير موجود الآن إلا نادراً بالمغرب، لذا يفقد المؤلف حقوقه مبكر أو قبل أن يحسب مصاريفه حتى، و قبل أن يقرصن كتـابه وتبقى القراءة والثقافة والإبداع الثقـــافي والفكري في مهب الريح.

لعله تفعيل قـوانين الحماية حقـــوق المؤلف والحقوق المجاورة من القرصنة خطوة مهمة, ولكنها لا تكفي لكي يستفيد الكاتب المغربي من كتبه، كما يحدث للكتّاب في الغرب، وأمام المؤلف طريق شاق لتحرير كتابه من استغلال بعض دور النشر.

جعل الكتابة مربحة سيفيد الجميع : المبدع ليتفـــرغ للمزيد من الإبداع، والناشر في حصوله على المزيد من المال والمادة الصالحة للنشر، والقارئ في حصوله على أهم الكتب وأحدث الترجمات و مجتمع القراءة والثقافة وتطير الصناعة الثقافية في أخر المطاف.

للأسف، الكثير لا يعرفون أن نسبة كبيرة من موارد بيع الكتاب تذهب لتغطية تكـــاليف إنتاجه، هنالك طـــباعة ، وترجمة ، شحن، تخزين ومصاريف أخرى اما صعوبة الحصول على الكتاب عند المقرصنين فهي ذريعة بـــاطلة حيث صار من الصعب وصول الكتاب لكل العـــالم العربي لأسباب كثيـــرة ، لانه هنـــالك تطبيـــقات الكترونيةجد متطورة و بالمئات للكتب الالكتـرونية.

لمـــاذا لم ينجح منها أحد حتى الآن؟

البعض منهم واجه مشاكل في عدم استطاعة كل القرّاء على الدفع الالكتروني او عبر البطـــاقة الائتمانية، فقام بتوفير بطاقات مسبقة الدفع تبـــاع في المكتــــبات وبعض المقاهي، لكن للأسف وأأكد هنا أن حقوق المؤلف العربي مسؤولية الجميع : من الكاتب إلى الناشر وصولا إلى القــــارئ عبر الكتبي الوسيط و المتاجر او القانوني اي القضاء بصفة عـــامة.

فالقضية برمتها تحتاج إلى إعادة نظر، دائما ما يوضع الناشر في مواجهة مع القارئ. فعندما لا يتوفر الكتاب، في المكتـــبات أو نقاط التـــوزيع والبيع، يجد القرّاء الذريعة لقــــراءة الكتب المقرصنة ، بحجة أن هذا الناشر أو ذاك لم يوفر أو تتوفر كتبه، في حين أن مسألة التوزيع منفصلة عن النشر، لذا فمصلحة النــــاشر أن يصل كتابه إلى جميع المكتبات، ولكنه هو ليس صاحب القرار في توفير كتبه وإصداراته الحديثة بنفسه ، وإنما المكتبة هي المســــؤولة عن توفير كتب الناشرين العرب للقرّاء وبالمغرب خاصة ، وهذا الأمر غالبا ما يُغـــفل أثناء النقاش.

نسوق مثالا بكتب الشعر التي ترفض المكتبات أخذها وتوفيرها للقراء بحجة أن الشعر لا يباع. كذلك القصة القصيرة…الخ و ربما بعض القصص المترجمة. وأن النظر بتفحص وجدية لواقع حركة النشر أفضل من رمي الاتهـــامات.

القارىء في الغرب، عندما يجد نسخة مقرصنة يرفض أن يقـــرأها، وينتظر إلى أن يشتري النسخة، إلا أن الموضوع مختلف لدينا. وظـــروف النشر في العالم العربي أكثر تكــلفة النشر عالية جدا، فهو عليه دفع حقوق المؤلف ودفع الطباعة والشحن للمعارض..الخ . كذلك مشكلة المكتبات : فهي لا ترضى بأقل من ربح 50 إلى 60 بالمائة، ما يعني أن هذه المكتبات تطلب خصما كبيرا من دار النشر كي تقبل بعرض كتب الـــدار، وهذا ينطبق على المتاجر الالكترونية أيضا، فإذا كان سعر الكتاب لذا الناشر 10 دولارات، فإن 5 دولارات على الأقل، تذهب للمكتبة، وهذا لا يحدث مع منتجات أخرى، إذا نظرنا للكتاب كسلعة. ففي ظروف مثل هذه يضطر الناشر لرفع سعر الكتاب، ليحصل على ربح مقابل لجهده وتكاليف الكتاب. و مثل هذه الأمور لا يعرفها إلا من يعمل في وسط النشر والمكتبات أو من هو قريب منها الصنعة الكتابية.

هذه الظروف والأوضاع تحتـــاج إلى أن يعرفها القارىء المهتم ,لأننا بعد كل هذه العملية الشاقة والمرهقة من البحث والحصول على الكتاب ،من كــــتابته ،تـــأليفه ، نشره إلى توزيــــعه وما يحدث مع المكتبات، يأتي قــــارىء ويشتري الكتاب ،ثم يبذل جهدا في تصويره ونسخه ضوئيا ثم يحمله وينشره إلى الانترنت بالمجان، الأمر الذي يعقد المسألة، ويدفع بالنـاشر العربي وبأي ثمن ليعوض الخسارة التي جاءت هذه المرة من القرصنة.

الحلول المستقبــلية، هو بناء المكتــبات العمـــومية،المحــلية والجهــــوية ليحد من مشكلة القرصنة، وتتوفر خدمة إعارة الكتب والأفـــلام والأسطوانات الموسيقية بالمكتبة العمــومية، مقابل اشتراك ، وفي مدة متــفق عليها بين المكتبة والقارئ ، ويكون مغرب الصناعة الثقــــافية وصناعة المعرفة مع فاعلين ترابيـــين ذوي أفاق توجهات ثقــــافية معرفية فعلية بالمغرب.

عن arabpress

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *